آوریل 232015
 

ورد علي إدارة المجلة عدة أسئلة تتعلق بهذا الموضوع،فجوابا عليها نقول:
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه و صـلي اللّه عـلي سـيدنا محمد و علي آله و صحبه و سلم.
قد فرض اللّه علي عباده خمس صلوات في اليوم و الليلة،و هي الظهر و العصر و المـغرب و العشاء و الصبح،و فرض يوم الجمعة هو صلاة الجمعة متي استوفت شروطها، فإن لم تستوف شـروطها فالفرض الظهر كباقي الأيـام،لا يـخالف في ذلك أحد.و قد اشترط الشافعي لصحتها ألا يسبقها و لا يقارنها جمعة في مكانها،أي في البلد الذي أقيمت فيه.هكذا نص الشفعي،و علّله الأصحاب بأنه صلي اللّه عليه و سلم و الخلفاء الراشدين من بعده لم يقيموا في البلد الواحد إلا جمعة واحـدة،و لأن المقصود من الجمعة إظهار شعار الاجتماع،و اتفاق الكلمة،و كونها جمعة واحدة أفضي الي هذا المقصود.

و قد دخل الشافعي بغداد و فيها يقام جمعتان،و قيل ثلاث،فلم ينكر علي أهلها، فاختلف الأصحاب في الجمع بين نصه علي عـدم جـواز التعدد و سكوته عن إنكار التعدد: فمنهم من قال:إن التعدد في بغداد كان لحاجة،و نصه محمول علي ما إذا لم يكن هناك حاجة للتعدد و لم يعسر الاجتماع.و عليه أكثر الأصحاب،بل قال الروياني:إن مذهب الشافعي لا يحتمل إلا هـذا.و مـنهم من قال:بل كانت بغداد يشقها نهر الي قسمين،و في كل قسم جمعة،و التعدد حينئذ يجوز.و قال بعضهم:كانت قري منفصلة ثم تلاصقت،و التعدد يجوز في هذه الحال.و منهم من قال:إن مذهب الشافعي هو مـا نـص عليه من عدم جواز التعدد مطلقا،و أما سكوته عن الإنكار علي أهل بغداد فلأن المسألة اجتهادية،و ليس للمجتهد أن ينكر علي مجتهد في ذلك.و إذا جرينا علي ما عليه الأكثر من جواز التـعدد لحاجة،فللحاجة صـور،منها أن يـكثر أهل المصر بحيث لا يسعهم مـكان واحـد،مسجدا كان أو غـيره،و أن تبعد أطرافه بحيث يشق السعي منها الي مكان واحد،و أن يوجد بين أهله خصومات تؤدي الي فتن لو اجتمعوا في مكان واحد،و أمثال ذلك.
و علي هـذا فـاذا لم تـتعدد الجمعة أو تعددت و علم السابق الا يجوز إعادة الجمعة و لا الظـهر،أما عـدم إعادة الجمعة فلسبق جمعة صحيحة لها،و أما عدم جواز إعادة الظهر فلأن فرض اليوم هو الجمعة لا الظهر،و هذا بالنسبة لأهـل الجـمعة السـابقة،أما أهل الجمعة المسبوقة،إن قلنا بعدم جواز التعدد مطلقا فعليهم إعادة الظـهر،و إن قلنا بجوازه لحاجة،و كان هذا التعدد لحاجة،فيسن لهم إعادة الظهر،خروجا من خلاف من يمنع التعد مطلقا،و إن كان هذا التعدد بـلا حـاجة فـعليهم إعادة الظهر حتما،لأن جمعتهم لم تستوف شرط صحتها و و عدم سبق جمعة صـحيح لهـا،فإن اقترنتا وجب عليهم جميعا إعادة الجمعة،لأنه لم يسبق جمعة صحيحة و هم من أهلها،فإن شك في السبق و المقارنة أو عـلم السـبق و لم يـعلم السابق،وجب عليهم جميعا إعادة الظهر،أما في حالة الشك فللا حتياط للخروج من عـهدة التـكليف بـيقين كما شغلت الذمة بفرض الجمعة بيقين،فانه يحتمل المقارنة فتكون جمعتهم كلهم بالطلة،و يحتمل السبق،و كـل مـن الطـرفين يجوز أن يكون هو المسبوق،و أما في حالة ما إذا علم سبق و لم يعلم من السابق،فلأن كلا مـنهما يـحتمل أن يكون هو المسبوق،فيكون الفرض لا يزال في ذمته.
و علي ذلك تكون الخلاصة أنه إذا لم تتعدد الجمعة لا يـجوز إعـادتها جـمعة و لا ظهرا، و إذا تعددت لغير حاجة،فإن سبقت إحداها،و علمت فهي المعتد بها،و علي الآخرين إعادة الظهر،و إن قـارنت وجـب علي الجميع إعادة الجمعة لبطلان الجمعتين بالمقارنة، و إن سبقت إحداهما بيقين و لكن لم تعلم السابقة،وجب عـلي الجـميع إعـادة الظهر،و إن شك في السبق و المقارنة وجب علي الجميع إعادة الظهر.
و بهذا يتبين جهل من يرمي الشـافعية بـأنه يلزم مذهبهم أن تكون فرائض الصلاة ستا في أحد الأيام وقد جعلها اللّه خمسا،فهذا كـلام لا يـصدر إلا عـن مسرف في المجازفة و الافتيات علي أئمة الدين بدون أن يتفهم كلامهم و يعرف مستندهم،فقد رأيت مما تقدم أنهم اسـتندوا فـي وجـوب أن تكون جمعة البلد الواحدة واحدة الي ما ثبت عن رسول اللّه صلي اللّه عـليه و سـلم و الخلفاء الراشدين بعده من أنهم لم يقيموا في البلد الواحد إلا جمعة واحدة و الحكمة في ذلك واضحة،و هي أن المـقصود مـن الجمعة إظهار شعار الاجتماع و اتفاق الكلمة،و لا شك أن تعدد الجمعة في البلد الواحد لا يـفضي الي هـذا المقصود إفضاء وحدتها،فمن الذي ينكر ما فـي اجـتماع أهـل البلد الواحد كل أسبوع مرة في مكان واحـد:يتعارفون،و يـتوادون،و يتعهد بعضهم بعضا،و يجددون رابطتهم،من الفائدة العظمي التي لا يزال الدين يرمي الي أمثالها.
و إذ قد ثـبت عـند الشافعي أن وحدتها شرط لصحتها بـالدليل النـقلي المسند بـالنظر العقلي،فكل مـا فـقد شرط صحته من العبادات فهو غـير مـجزئ،و إذا لم تقع الجمعة مجزئة فالظهر واجب بإجماع المسلمين.و المراد بأهلها الذين لا يسعهم مكان واحـد،من يـغلب صلاتهم لها في البلد.و قيل من تـجب عليهم،و قيل من تـصح مـنهم.و اعتمد الرملي الأول.ثم العبرة في السـبق بـسبق الإمام بتكبيرة التحريم،أي بتمام(الراء)من (أكبر)و قيل العبرة بسبق بدء الإمام بالتحريم،أي بهمزة(اللّه).و قيل بـالسلام. و قـيل بالخطبة.
و لنتل عليك عبارة الأم التي هـي أصـل نـص الشافعي في هـذا المـوضوع:«و لا يجمع في مصر و إن عظم أهـله و كـثر عامله و مساجده إلا في المسجد الأعظم،و إن كانت له مساجد عظام لم يجمع فيها إلا في واحد،و أيها جمع فـيه أولا بـعد الزوال فهي الجمعة، و إن جمع في آخر سـواه بـعده لم يعتد الذيـن جـمعوا بـعده بالجمعة،و كان عليهم أن يـعيدوا ظهرا أربعا».ثم قال:
«و إن أشكل علي الذين جمعوا أيهم جمع أولا،أعادوا كلهم ظهر أربعا»
و اللّه سبحانه و تعالي أعلم ابراهيم الجبالي